العلاقة بين صحة أسنانك وصحتك العامة: كل ما تحتاج إلى معرفته

كما يقولون “الجسد كيان واحد إن شكا منه عضو تداعى له سائر أعضائه بالسهر والحمى” وصحة فمك وأسنانك ليست استثناءً من هذه المقولة القديمة. مع الانتشار السريع وتوافر كل ما نحتاج إليه من المعلومات عبر الإنترنت أصبح من الضروري أن نكوّن ثقافة طبيّة متينة بين علاقة الفم والأسنان والصحة العامة للجسم.

في هذا المقال سنقدم لك دليلًا شاملًا لكل ما تحتاج إلى معرفته حول تأثير أمراض الفم والأسنان على الصحة العامة وبالعكس، وكيف يمكن أن تكون أمراض الفم والأسنان مؤشّرًا مهمًّا على ضرورة إجراء اختبارات لصحتك العامة من أجل استدراك أي مشكلة صحية في وقت مبكّر.

إحصائيات صحية عالمية مهمّة

خلال العقدين الماضيين اجتهد الباحثون في تكوين علاقة واضحة بين الأمراض العامة وأمراض الفم والأسنان، وقد جمعنا في القائمة التالية أبرز الإحصائيات التي توضح الأهمية الكبيرة للعناية بالصحة الفموية وتأثيرها المباشر على الصحة العامة:

  • وفقًا لإحصائية أجرتها الوكالة الدولية لأبحاث السرطان (CIRC) التابعة لمنظمة الصحة العالمية، فإن سرطان الشفة والفم يُصنّف ضمن قائمة أكثر 15 مرض خبيث انتشارًا حول العالم، ويسبب تدور سريع في الصحة العامة وهو مسؤول عن أكثر من 180 ألف حالة وفاة سنويًّا.
  • أشارت أبحاث أجرتها الأكاديمية طب الأسنان العام (AGD) في كندا والولايات المتحدة أن 90% من الأمراض الجهازية العامة لها تظاهرات مبكرة أو متأخرة ضمن الفم، بما في ذلك تورم اللثة والتقرحات وجفاف الفم وغيرها.
  • أظهرت العديد من الأبحاث العلمية وجود صلة قويّة بين صحة الأسنان والفم العامة وبعض الأمراض الخطيرة، مثل سرطان البنكرياس والتهاب المفاصل الرثياني (الروماتيزم) والتهاب شغاف القلب وأمراض القلب والأوعية وغيرها.
  • في دراسة حديثة للأمهات الحوامل تبيّن أن 60 – 75% منهنّ يعانين من مشاكل التهاب اللثة أثناء فترة الحمل، وذلك بسبب التبدلات الهرمونية خلال تلك الفترة. مراجعة الطبيب والتحرّي عن أي مشاكل في اللثة مبكّرًا يساعد على تجاوز هذه المرحلة دون تفاقم الحالة الالتهابية.

نظرة سريعة حول تأثير صحة الفم والأسنان على الصحة العامة

قد تتساءل: كيف يمكن أن تؤثر صحة الفم والأسنان على صحتي العامة؟ ما هي الأمور التي يجب أن انتبه إليها للوقاية من أي تأثير صحي خطير؟ تكمن الإجابة عن هذين السؤالين في معرفة الحالات التي يمكن أن تؤثر فيها صحة الفم على صحتك العامة، والتي يمكننا تلخيصها في النقاط الخمس التالية:

  • الصحة العامة: من خلال الفحوص السريرية والصور الشعاعية الروتينية يمكن للطبيب تشخيص العديد من الآفات والأمراض التي تحمل خطورة كبيرة على الصحة العامة للفرد، نذكر على سبيل المثال الآفات التي تظهر على صورة البانوراما أو الصور المقطعية CBCT والتي تبدأ صغيرة وبسيطة وقد تتطور سريعًا إلى آفات كبيرة جدًا تسبب تآكل العظم الفكي وقد تتحول إلى أمراض خبيثة في حال إهمالها.
  • صحة القلب: يغفل الكثيرون عن حقيقة أن أمراض القلب والأوعية الدموية على ارتباط وثيق بصحة الفم، وتحديد صحة اللثة، كيف؟ 
 

حسنًا أظهرت مئات الأبحاث وجود صلة قويّة بين الجراثيم اللاهوائية المسؤولة عن التهاب اللثة والعظم (التهاب النسج حول السنية Periodontitis) وبين التهاب شغاف القلب الإنتاني، والذي قد يتعرّض له مرضى القلب، الذي عانوا مسبقًا من خنّاق صدر (جلطة قلبية) أو خضعوا لجراحة قلبية مفتوحة أو تركيب صمّام أو شبكة قلبية، عند جرح اللثة أو نزفها بسبب التجرثم العابر الذي يحصل حينها في الدم وينتقل إلى القلب المصاب.

  • الصحة الغذائية: تنعكس الصحة الفموية وصحةّ الأسنان بشكل مباشر على النظام الغذائي للفرد، فالأفراد الذين يعانون من آلام أو فقد في بعض الأسنان يواجهون أوقاتًا عصيبة في تناول وجباتهم الغذائية، وهذا قد يؤدي على المدى القريب إلى إصابتهم بسوء تغذية وقد ينتهي بهم المطاف بتطوير فقر دم بعوز الحديد (Anemia).
  • الصحة النفسية: لا يستطيع أحد إنكار الوقع الشديد لمظهر الأسنان وسلامتها على صحتنا النفسية، فالمظهر الجميل للأسنان يعطي الفرد ثقة قويّة بالنفس وحضورًا اجتماعيًّا جيّدًا وينعكس على قيمته ومكانته
  • في المجتمع.

بالإضافة إلى ذلك فإن وجود ألم أو تهدم أو فقد في الأسنان الخلفية (الطواحن) وعدم تمكّن المرء من تناول الطعام كما يحلو له ينعكس بشكل سلبي على الحالة النفسية وعلى رغبته في تناول الطعام أو حتى في القيام بأي عمل.

لمحة مختصرة عن الأمراض العامة وتأثيرها على صحة فمك وأسنانك

لا تقتصر العلاقة بين الصحة الفموية والصحة العامة على تأثير الأولى في الثانية فحسب، بل هناك العديد من الحقائق والجوانب التي يجب أن تغدو ثقافة طبيّة شائعة في مجتمعنا فيما يتعلّق بتأثير الصحة العامة على الصحة الفموية.

إليك أبرز النقاط التي يجب أن تعرفها حول تأثير الصحة العامة على صحة الأسنان وكيف يمكن لهذه العلاقة أن تؤثر على قرار علاج أسنانك أو حتى سلوكك عند طبيب الأسنان:

الإرهاق العام

كلنا يشعر بالإرهاق أو التعب الجسدي والنفسي في بعض الأوقات، وفي هذه الأوقات تحديدًا يجب عليك تجنب العلاج عند طبيب الأسنان، إلا للضرورة القصوى طبعًا، ولا سيّما إذا كان العلاج يتضمّن ألمًا محتملًا، لماذا قد تتساءل؟

لأن الضغوط النفسية تلعب دورًا بارزًا في إفراز بعض الوسائط الكيميائية في الجسم، مثل الأدرينالين، والتي قد تؤدي إلى انخفاض الضغط أو السكر في الجسم وفقدان جزئي أو كلي في الوعي

أمراض القلب 

إن كنت تعاني من اضطرابات في القلب والأوعية الدموية (عمليات قلب سابقة أو زيادة في ضغط الدم) فهناك 3 نقاط جوهرية يجب أن تكون على علم تامّ بها، وهي:

  • بعد عمليات القلب الحديثة يجب ألا تجري أي مداخلة على أسنانك حتى مضي 6 أشهر على الأقل، لا سيّما قلع الأسنان، إلا في حال الضرورة القصوى وذلك بعد اتّخاذ الطبيب الإجراءات الوقائية.
 
  • بعض الأدوية تتداخل في الإجراءات العلاجية أو الأدوية التي قد يصفها طبيب الأسنان، نذكر على وجه التحديد الأدوية المميعة للدم، لذا لا بُد من إعلام الطبيب بكامل الأدوية التي تتناولها وبدقّة.
 
  • إن كان من المخطط إجراء عملية قلب لك فمن الأفضل أن تعالج أي أسنان عفنة أو منخورة وأن تقلع أي سن متخرّب ولا يمكن إنقاذه قبل إجراء العمل الجراحي للقلب. وفي حال أخّرت الأمر إلى ما بعد  العملية فيفضل أن تنتظر 6 أشهر ومن ثم أن تكمل علاج أسنان بأقرب وقت لتفادي أي انتقال للجراثيم من الأسنان إلى القلب عبر الدم.

الأمراض العامة 

هناك بعض الأمراض التي تؤثر بشكل مباشر في سلامة وأمان المعالجة السنية، نذكر على سبيل التخصيص:

 مرض السكري 

يبطئ مرض السكري من سرعة شفاء الجروح، كما أنه يتضمن خطرًا أكبر للإصابة بالإنتانات ما بعد المعالجة، لذا لا بد من إخبار الطبيب به لكي يتمكن من اتباع الإجراءات اللازمة لوقايتك من أي مضاعفات أثناء أو بعد المعالجة

مرض فرط نشاط الدرق 

وينطوي على خطر كبير في حال كنت تعاني من التوتر والخوف قبل العلاج السنّي، لأن ذلك من شأنه أن يزيد إفراز الأدرينالين والذي يؤهب لحدوثعاصفة درقية، لذا يجب أن تطلع الطبيب على كامل التفاصيل المرضية الخاصة بك قبل العلاج، والطبيب بدوره قد يصف لك مهدّئات ستساعدك على تجاوز العلاج السني بدون أي خوف أو قلق.

التحسس من بعض الأدوية 

والأمر خطير في كثير من الأحيان ويغفل عن الكثيرون. في مقدمة الأدوية الشائعة في معالجة الأسنان والتي يتحسس منها ما يُقارب 5% من البشر هي أدوية البنسيلينات، لذا إن كنت تعلم تحسسك من هذه الأدوية فيجب إخبارك طبيبك قبل العلاج، أو في حال شعرت بعد تناولك لهذا الدواء بأعراض حكّة واحمرار جلد وضيق تنفس فعليك أن تسارع إلى أقرب مستوصف للعلاج و إخبار طبيبك بالأمر.

الأمراض العصبية 

وفي مقدمتها مرض الصرع، وفي هذا الشأن يميل الكثيرون إلى إخفاء إصابتهم بهذا المرض للحرص على صورتهم الاجتماعية، لكن الأمر جدّي في عيادة طبيب الأسنان ولا بُد من إخبار الطبيب بالأمر قبل العلاج ليتّخذ الإجراءات المناسبة.

الحمل والإرضاع

بالطبع الحمل ليس حالة مرضية ولكنها حالة فيزيولوجية ومرحلة حرجة لا بُد من توخي أقصى درجات الحذر فيها سواء عند معالجة الأسنان أو إجراء أي معالجة أخرى. لكن ما هي الأمور التي يجب أن تنتبهي لها في حال كنتي حاملًا أو مرضعًا؟

هناك ثلاث نقاط أساسية يجب أن تضعيها في حسبانك قبل إجراء أي معالجة سنيّة في فترة الحمل:

  • من المحظور إجراء أي معالجة، إلا للضرورة القصوى، خلال الأشهر الثلاثة الأولى والثلاثة الأخيرة (الثلث الأول والأخير من الحمل)، ويمكن إجراء المعالجات السنية الروتينية خلال الثلث المتوسط بأمان، ويفضل تجنّب التعرّض للأشعة السينية (X-ray) خلال فترة الحمل إلا للضرورة مع إرتداء واقٍ رصاصي خاص.
 
  • هناك بعض الأدوية المحظور تناولها في فترة الحمل إلا في حال وجود خطورة على حياة الحامل. وفي المعالجات السنية هناك بضعة أدوية ممنوعة للحامل، نذكر منها: الأسبرين (Aspirin) والبروفين (Ibuprofen) والتتراسيكلينات (Tetracycline)، ويُعد الباراسيتامول (Acetaminophen) من أكثر الأدوية أمانًا للمرأة الحامل.
 
  • تأثير المعالجات الضرورية لأسنانك لا سيّما في حال كنتي تعانين من الألم خوفًا على الجنين سوف يزيد الوضع سوءًا لذا من الأفضل أن تراجعي طبيبك في حال كنتي تعانين من أي مشاكل مزعجة في أسنانك.
 

أما في مرحلة الإرضاع فلا مانع من إجراء أي معالجة سنيّة، لكن هناك ضوابط مهمّة فيما يتعلّق بالأدوية التي يمكنك تناولها أثناء الإرضاع، لأن بعض الأدوية تصل إلى حليب المُرضع وقد تسبب مشاكل للرضيع، لكن لحسن الحظ فإن تركيز الأدوية يكون ضئيلًا جدًا في معظم الحالات ولا يسبب أي مشاكل تُذكر. 

ومع ذلك فلا بُد من التعرّف على الأدوية التي لا يفضل تناولها أثناء الرضاعة إلا عند الحاجة، وهي: الأسبرين ومشتقاته والميترونيدازول (Metronidazole) والكليندامايسين (Clindamycine).

نصائح أخيرة

مما سبق يمكنك أن ترى العلاقة المهمة بين صحة أسنانك وفمك وصحتك العامة وتأثير كل من الطرفين على الآخر، ومن الضروري أن تكوّن مستوى جيّد من الثقافة الصحيّة في هذا المجال. احرص على أن تطلع طبيبك على حالتك المرضية والأدوية التي تتناولها والتزم بالتعليمات التي يمنحك إياها الطبيب، وأخبر طبيبك في حال طرأ أي طارئ بعد المعالجة السنيّة. 

وأخيرًا حاول أن تقرأ باستمرار عن سلامة وأمان المعالجات السنيّة في حال كنت تعاني من مرضٍ ما، فتكوين ثقافة جيّدة قد يقيك من الكثير من المشاكل الصحيّة الخطيرة.

المفقودة الصحية لديك ولكن أيضًا مرتين

احجز موعد الآن للحصول على استشارة مجانية

الخدمات المقدمة